من هم الذين قال فيهم القران الخراصون
ما معنى الخراصون في القران الكريم
ورد مصطلخ الخراصون كما ذكرنا في سورة الذاريات وبخلاف ذلك فقد ورد فعل “التخرُّص” في القرآن الكريم في أربعة مواضع، في سُورة “الأنعام” في موضعَيْن، ثم في سُورتَيْ “يونُس” و”الزخرف”.
وفي هذه الآيات جميعًا؛ فإن المعنى الذي يدور حوله هذا المصطلح وهذا التوصيف المذموم، في إطار الارتياب والتشكيك، واتباع الظن، كما ورد في آيتَيْ “الأنعام”: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116)}، و{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (148)}.
وهو ذات المعنى الذي قدمته آية “يونُس”، {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (66)}.
أما في آية “الزخرف”؛ فإن التخرص هو الحديث بغير علم؛ {وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}.
وهذه الفئة من الناس، هم من ضمن فئات المنافقين المختلفة، وهم أهل الظنون والشَّكِّ والرِّيَبِ، والكذب بغير علم.
والمقصود في آيات “الذاريات” على وجه الخصوص، هم مَن تقوَّلوا على الرسول الكريم “صلَّى اللهُ عليه وسلَّم”، ووصفوه بنعوت شتى في بداية بعثته، مثل أنه كاهن أو ساحر، أو كما قالوا وورد في سُورة “الفرقان”: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (5)}، ونفوا ما قاله عن عقيدة البعث والحساب يوم القيامة.
ويقول المفسرون، ومن بينهم الطبري والقرطبي، إن معنى “قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ”، أي لُعِنَ الكذابون والمرتابون، وليس المقصد قتل هؤلاء بالمعنى أو الأمر الإلهي المباشر، كما في قوله تعالى، في سُورة “عَبَسَ”: {قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)}، أي كما في القرطبي، لُعِنَ، أو قيل: عُذِّب، والمقصود في هذه الآية بطبيعة الحال، الإنسان الكافر.
ولعل أهمية التأكيد على معنى عبارة “قُتِلَ” في الحالَيْن؛ الخراصون، والإنسان الكافر؛ هو الرد بعض الأدبيات التي يستند إليها بعض التكفيريين، فرادى وجماعات، في عمليات القتل التي يقومون بها لمعارضيهم.
فباعتبار نظرتهم لأنفسهم باعتبارهم الممثل الشرعي والوحيد للإسلام، وأن عدم مبايعة هذه الجماعة أو ذاك؛ يعني خروجًا عن الجماعة وتولي في أيام الزحف؛ فإن آية “قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ” وآية “قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ” تبرر لهم القتل من دون تمييز، بينما أجمع المفسرون على أن الله تعالى وحده هو المتصرف في أمر هؤلاء، وأن التعبيرات القرآنية المستخدمة في صددهم، لا تعني سوى اللعن واستحقاق العقاب الإلهي في الدنيا والآخرة.
وهو حتى الأمر الأقرب إلى العقل والمنطق، وإلا كان معنى ذلك، وفق آية سُورة “عَبَسَ”، أن المسلم عليه قتل كل كافر، وهو أمرٌ ما أنزل الله تعالى به من سلطان، ولا يمكن القول به على أية صورة من الصور.
كما أن هذا الأمر لدينا عليه دليل من فعل النبي “صلَّى اللهُ عليه وسلَّم” مع المنافقين في المدينة؛ عندما كشفهم الله تعالى له بعضهم كما في القرآن الكريم، وتعامل معهم النبي “صلَّى اللهُ عليه وسلَّم” بمختلف أساليب السياسة الممكنة، حتى تم له إقرار قواعد دولة المدينة، ثم مد رقعتها إلى مكة المكرمة وسائر أنحاء شبه الجزيرة العربية.
وهي أمور نحن أحوج ما نكون في هذه المرحلة من تاريخ الأمة، وخصوصًا الطليعة الحركية الإسلامية التي تواجه في الوقت الراهن حرب تشويش وتشويه طالت الفيرال وحتى الدين ذاته؛ إلى أن ندركها وندرك كيفية التعامل معها بالشكل الأمثل الذي لا يستدرج الحركة الإسلامية إلى معارك جانبية، تقع فيها في أخطاء مطلوب لها من جانب خصومها، أن تقع فيها.