المحتويات
من هم الموريسكيون في الأندلس
الموريسكيون أو الموريسكوس بالقشتالية هم المسلمون الذين بقوا في الأندلس تحت الحكم المسيحي بعد سقوط الحكم الإسلامي للأندلس وأجبروا على اعتناق المسيحية. أو ترك الأندلس فرديناند وإيزابيلا في 14 فبراير 1502. في الفترة الواقعة ما بين 1609 و1614، أجبرت الحكومة الإسبانية المورسكيين على مغادرة المملكة إلى شمال أفريقيا بطريقةً مُنظمة. كانت أعدادهم كبيرة في أراغون السفلي (طرويل حاليًا) وفي جنوب مملكة بالينسيا وفي غرناطة بينما كانت أعدادهم أقل في بقية مملكة قشتالة وذلك حسب المعلومات التي بلغتنا من سجلات الضرائب. وقد تم تهجيرهم نحو دول شمال أفريقيا وتجاه الشام وتركيا بعد سقوط الأندلس ويوجدون حالياً في الجزائر وتونس والمغرب وليبيا.
في عام 1609 كان هناك ما يقرب من 325,000 من المورسكيين في إسبانيا من أصل مجموع السكان 8.5 مليون بنسبة 3.5%. وتركزوا في تاج أراغون، حيث شكّلوا 20% من السكان، وفي مملكة بالينسيا حيث وصلت نسبة المورسكيين إلى 33% من سكانها. وبالإضافة إلى ذلك، كان النمو السكاني للمورسكيين أعلى إلى حد ما مقارنة مع نمو السكان من المسيحيين؛ في بلنسية، قدر نمو مورسكيين بنسبة 69.7% مقارنة مع 44.7% للمسيحيين. وكان معظم سكان المدينة والأغنياء منهم من المسيحيين، بينما كان انتشار المسلمين في الريف والضواحي الفقيرة من المدن
لغة عجمية بحروف عربية
رغم نسيان الموريسكيون التدريجي للغتهم العربية لغياب فرصة استخدامها في حياتهم اليومية، فإنهم قد حرصوا على المحافظة على تراثهم الثقافي من الضياع لكونه قوام هويتهم. فقاموا بتدوينه بلغتهم الإسبانية المتداولة بين الشعب حينذاك مستخدمين الحروف العربية الباقية من ماضيهم الأندلسي لإخفاء المضامين الدينية الممنوعة عن محاكم التفتيش، وهناك من يعتقد أنهم استخدموا هذه الحروف لشعورهم بقداستها فقد كانت كل ما تبقى لهم من لغة القرآن الكريم، وسميت هذه اللغة بـ”اللغة العجمية” (Aljamía). من التراث الموريسكي المكتوب، وصلتنا نصوص أدبية ودينية وعلمية، تمت إعادة كتابتها ونقلها من اللغة العربية إلى اللغة العجمية، ولكن كان لها طابع خاص. اختلفت هذه الأعمال عن المصادر العربية الأصلية التي حاولت توثيقها، لأنها كانت محظورة، ولأنها كانت أساسية في تكوين هويتهم من خلال ما تبقى لهم من تراث أجدادهم. كما أنهم قاموا أيضاً بتبسيط محتوياتها لأن قارئيها لم يكن بمقدورهم استيعاب صيغها المعقدة، بسبب قلة المتخصصين بها، فلم تعد هناك مدارس رسمية تعتني بتلك العلوم الدينية واللغوية.
إذاً فقد هُمِّش كيانهم العربي والإسلامي إلى درجة أن كلمة “Morisco” (موريسكي) نفسها كانت نوعاً من التقليل من شأنهم، وأصلها من كلمة “Moro” (مورو) التي ما زالت تستخدم اليوم في إسبانيا ضمن سياق عاميّ محدد لتمييز المهاجرين الآتين من شمال إفريقية.
كان الموريسكيون يتعلمون في السر مقابلة الأبجدية العربية بالإسبانية، للإبقاء على إسلامهم وإن كانوا مسيحيين علانيةً. ومع ذلك فإن ما كانوا يعرفونه عن دينهم كان ضئيلاً، ولذلك نجد أنّ الكثير ممن هاجر إلى بلاد الإسلام بعد نفيهم الجماعي، وجد مسافةً شاسعةً بين تدينه المبسّط، والتعمق الديني الذي وجده عند الناس في تلك البلاد. فكان المورسكيون مختلفين حتى بين أبناء ملتهم، وحملوا هويتهم الإسبانية والأندلسية معهم وتابعوا كتابة نصوصهم في شتى المواضيع.
محاولة غرناطية لمزج الدين الإسلامي والمسيحي
اختلف وضع الموريسكيين الغرناطيين عن سواهم، لأن المملكة النصرية في غرناطة كانت آخر أرض إيبيرية تحت حكم إسلامي في الأندلس، وفيها كان حرق المخطوطات العربية بعد سقوط المدينة. وكان سكانها متمسكين بشدة بدينهم، ولذلك وقع عليهم أقسى قمع من جهة محاكم التفتيش، فثاروا على السلطة الحاكمة من موقهم في منطقة الألبوخَرَّس (Alpujarras). ردت السلطات بنفي معظمهم مبكراً عام 1570، كما أن الكثيرين من بينهم انتقلوا إلى مناطق أخرى في شبه الجزيرة قبل النفي النهائي. بالرغم من ذلك، أو ربما بسبب كل ذلك، كانت في مدينة غرناطة آخر محاولة موريسكية لتأكيد شرعية وجودهم في هذه الأرض، ففيها كانت هذه الاكتشافات. من تحليل هذه الآثار من الرقّ والقماش والنصوص وغيرها، تبيّن فيما بعد أنها كانت كلها من عمل الموريسكيين، الذين حاولوا تعزيز مكانة اللغة العربية كجزء من تاريخ المدينة القديم. ولكنها تدلّ أيضاً، كما تشير الدراسات الثقافية للأندلس دائماً، إلى أن الشعب يتطلع غالباً إلى التعايش والسلم، وفي بعض الأحيان يوظف الاختلافات العقائدية في سبيل ذلك. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من المسيحيين حاولوا الدفاع عن النظرية الدينية المطروحة في هذه النصوص العربية المخترعة، لأنها كانت تقدم تاريخاً قديماً لاعتناق مدينة غرناطة الدين المسيحي. ما يطرحه علينا هذا التاريخ المشترك للثقافتين في هوية الموريسكيين هو أنّ محاولتهم الوصول إلى حل للأزمة التاريخية التي مروا بها، جعل من الدين المسيحي والإسلامي ديني أخوة لا عداوة في شبه الجزيرة الإيبيرية. وتاريخ الجزيرة ليس المكان الوحيد الذي تمّ فيه هذا النوع من التفاعل الثقافي، ومع أنه في كثير من الأحيان، أدى إلى العنف والنفي، ولكنه أيضاً، في نفس الوقت، خلق ظروفاً تشجع أشكالاً متعددة للتعايش والسلم. فنتساءل اليوم: من هم موريسكيو القرن الحادي والعشرين الذين يحملون في قلوبهم الشرق والغرب معاً؟