المحتويات
من هو زاكي الدين أحمد حسين ويكيبيديا
الطبيب العبقري الشهير الدكتور زاكي الدين أحمد حسين درس في مدرسة حنتوب الثانوية وكان من ابرز ثلاثة طلاب في الدفعة على طوال فترة حياته هناك وبدأ مشوار الطب رغم ميوله لمجالات أخرى ، وقد حدثت تغيرات كبيرة حينذاك في كلية الطب بجامعة جردون ولأول مرة وجد طاقم محاضرين بريطانيين بدوام كامل لدى جميع الأقسام من ضمنهم عميد الجراحة بروفسور جوليان تيلور نائب رئيس كلية الجراحة الملكية بإنجلترا سابقا.
استفاد ونجح كطالب وعمل جراح مقيم تحت بروفسور تيلور الذي جدد تدريب الجراحة في السودان مستخدما نفوذه بكلية الجراحة الملكية من أجل تأسيس مركز امتحانات للجزء الأول من الزمالة في الخرطوم. لأسباب غير معروفة تم اختياره لجلوس هذا الامتحان في يناير 1960 ثلاثة أشهر بعد أن أكمل وقته كجراح مقيم ونجح ، وعمل كمسجل لبروفسور تيلور لأكثر من عام ثم سافر إلى المملكة المتحدة للمزيد من التدريب قبل الامتحان الأخير.
تطوير طب وجراحة الجهاز الهضمي
حصل على الزمالة من الكلية الملكية وعاد إلى الخرطوم للانضمام إلى قسم الجراحة في الجامعة وعقب عامين سافر مرة أخرى إلى المملكة المتحدة للتدريب المكثف في طب الجهاز الهضمي. مكث عامين في ادنبره وفي 1967 عاد إلى الخرطوم وسعى في تطوير تعليم طب الجهاز الهضمي في السودان ولكن واجه معضلات مادية عصيبة منعت من أنشأ قسم مؤهل.
تم تعيينه كباحث في أكتوبر 1970 عند مستشفى مدلسكس في لندن لمدة عام.
ولدى عودته إلى السودان مرة أخرى في أكتوبر 1971 كانت البلاد تحت حكم نميري العسكري. بسبب التضخم العالي ومنع الجامعة للعمل الخاص تركها على مضض وتوظف في وزارة الصحة.
تم تعيينه في مستشفى بحري التعليمي واتضح فيما بعد أن كان ذلك في صالحي إذ الوزارة لديها أقسام تخصص فرعي وأصبحت رئيس قسم طب الجهاز الهضمي الحديث العهد مانحا له المسؤولية والحرية لتطوير تلك الخدمة.
أيدت من قبل وزارة الصحة لاختار جراحين للتدريب وأيضا لأعداد وحدة تنظير. أول جراح اختير كان الراحل أحمد نجيب.
في بداية عام 1975 حصل على منظارين ومنظار قولون وجميع اللوازم وتم تأسيس أول وحدة تنظير شاملة في السودان.
بعثة اليابان
ويقول الدكتور زاكي الدين أحمد حسين: ذهبت إلى اليابان في مايو 1975 بمنحة من وكالة التعاون الدولي اليابانية لمدة شهرين وتضمنت الدورة تدريب مكثف بالمحاضرات وجلسات التنظير والمشورة العلاجية لأمراض الجهاز الهضمي. كان هذا الوقت منعشا لي وأوضح عاملان الأول أن هناك احتياج لتأسيس مركز مخصص لدراسة ومعالجة أمراض الجهاز الهضمي في السودان والثاني أن دعم اليابان لهذا المشروع كان لازما.
عندما كنت في السودان فكرت كثيرا في كيفية أنشأ مركز الجهاز الهضمي وأبدت وزارة الصحة قبولها ولكن لم تملك المال لدعم المشروع. بالرغم من ذلك تعهدوا بشيء ضروري بموافقتهم أن يتم بناء المركز على الأرض التي توجد فيها ابن سينا اليوم.
من المدهش أن هذه الأرض خصصت لبناء مستشفي عندما تم التخطيط لمنطقة العمارات في 1959. ظلت الأرض في حوزة وزارة الصحة لعشرون عام بدون أي عمران مع محاولات عديدة من قبل وكالات حكومية أخرى لأخذ الأرض من أجل أغراضهم.
مع الوعد من الوزارة حول قطعة الأرض أصبح لدى إغراء قوي لجلب دعم اليابانيين. استقبلت في قسم التنظير الذي صار كثير النشاط والفعالية أحد مدراء شركة إيساي الصيدلية التي تتمتع بنفوذ كبيرة في اليابان. تعرفت على هذا المدير السيد موكاي في زيارته السابقة للسودان. بان إعجابه بالعمل الذي نقوم به وشجعني ذلك لأن أخبره بمركز الجهاز الهضمي وأملي بأن اليابان قد ترغب في تقديم المساعدة. كانت مفاجأة سارة عندما تحمس جدا للمشروع ونصحني بأن إشراك جامعة أوكاياما أضمن طريق لتأكيد الدعم الياباني. قال لي أن أراسل عميد كلية الطب بالجامعة وأن أدعوه للتعاون الأخوي مع القسم الذي أديره في مستشفى بحري التعليمي وتوعد بتسليم الخطاب شخصيا إلى العميد. شرح لي السيد موكاي أن جامعة اوكاياما تقوم بالاستشارات الرئيسية للحكومة اليابانية في أمور الدعم الطبي العالمي. أسعدني الأمر كثيرا وكتبت الجواب معطيا إياه للسيد موكاي.
اتصالات واجتماعات لإنشاء مستشفى ابن سينا
بعد شهرين قام عميد جامعة اوكوياما بزيارة للسودان وبالتحديد المستشفى في بحري ووضحت له طموحي لأنشأ وحدة الجهاز الهضمي وألقى نظرة على المكان المخصص لبنائه في العمارات. عاد إلى بلاده وهو يبدو متحمسا جدا للمشروع. واصلت الاتصال مع السيد موكاي الذي زار السودان بانتظام وقام بترتيب مقابلة سفير السودان في اليابان بمسؤولون في وزارة الشؤون الخارجية بطوكيو لمناقشة المركز المزمع في الخرطوم. بعد اقتراح مني قام وزير الصحة في السودان بمقابلة السفير الياباني مخبره أن المشروع سيكون مساعدة كبيرة للشعب السوداني.
في 1981 ظهر أول رد ايجابي من السلطات اليابانية عندما قابلت ممثل من وكالة التعاون العالمية اليابانية ووزارة الشؤون الخارجية ووزارة الصحة في السفارة اليابانية. كان الاجتماع ودي ولكن لم أستطع معرفة الانطباع لديهم في النهاية.
ويضيف البروفيسور السوداني: مرت شهور قليلة ودعيت إلى السفارة مجددا لاجتماع أوسع مع مجموعة يابانية أخرى بدت رسمية أكثر وقالوا أنهم مستعدون لبناء مركز طبي صغير وليس مستشفى. أثار ذلك غضبي وقلت أني أريد مستشفى وسوف يتم الأمر بمساعدتهم أو بدونها. لم يتوقعوا انفعالي ذلك وبعد صمت قالوا أني سوف أكون قادرا على أدارة المستشفى بصورة جيدة إذا بنوه. مع درجة الغضب ذاتها قلت لهم أني سأديره وبشكل جيد. في الأيام التالية زارت هذه المجموعة بصحبتي المستشفيات الرئيسية في العاصمة وأخذوا ملاحظات بالكتابة والصور على أجنحة الزيارة وغرف العمليات والمطابخ والمراحيض وظننت أن الانطباع لديهم كان سيئ.
الليلة قبل سفرهم دعوتهم لتناول العشاء في منزلي وقمت بدعوة وزير المالية إبراهيم منعم منصور ووكيل وزارة الصحة والمدير العام لشركة سكر كنانا وعدة مسؤولين وأطباء وتمنيت أن ينال ذلك إعجابهم. عند سفرهم شعرت أن موقفهم تجاهي كان ايجابي.
تحركت الأمور بسرعة وفي ديسمبر 1982 دعيت إلى طوكيو للأشراف على تلقي العطاءات لعقد بناء المستشفى. تم التقديم من قبل سبع شركات واختيرت شركة كونويكي لبناء وإعداد المستشفى. في 25 ديسمبر 1982 وفي مكاتب السفارة السودانية بطوكيو وقعت على العقد مع الشركة. في منتصف مارس 1983 حفرت كونيكي الأساس ووعدوا إكمال البناء في عامين وفي مايو 1985 كانت المستشفى جاهزة بجميع الأساس والمعدات.
حان الوقت للمسوؤلين السودانيين على الإيفاء بالتزامهم في الاتفاق وهو بناء جدار محيط والطرق الداخلية والحديقة. هذا الأمر احتاج إلى جهد كبير. الخطوة الأولى استلزمت مخاطبة وزارة الصحة لموافقتهم والخطوة الثانية تطلبت موافقة وزارة التخطيط .الثالثة تعلقت بوزارة الصحة مرة أخرى لتحديد التكاليف المالية والرابعة تضمنت الاتصال بوزارة المالية لاستلام المبلغ. الخطوات المذكورة أتبعت للجدار والطرق والحديقة. الأمر الذي استغرق الوقت الأطول هو الجدار لأني مضيت ساعات كثيرة حول الخرطوم أنظر إلى مباني كبيرة محاطة بجدار متناسب وفي يوم مررت بالبرلمان وأعجبت مباشرتا بحائط المبنى. اليوم التالي جلست مع المهندس المعماري ومكثنا ساعات في الرسومات حتى وصلنا إلى الجدار الذي يوجد حاليا وهو ملائم في رأيي.
توفقت مع وزارات الصحة والتخطيط والمالية إذ أن الأشخاص الذين تعاملت معهم من جيلي وقابلتهم مسبقا في حنتوب أو الجامعة أو في مواقف مختلفة في الحياة العامة ولا أذكر أي مشاكل في مقابلة وزير أو مسؤول حكومي أو لجلب أموال للبناء. ولكن البناء عامة يأخذ الكثير من الوقت ووصلت مستشفى ابن سينا إلي شكلها الحالي بنهاية 1985.
استقلالية مستشفى ابن سينا
ويمضي الدكتور زاكي الدين أحمد حسين قائلًا: لتحقيق ذلك احتجت إلى الحرية المالية والإدارية وواجهت بعض الصعوبة لإقناع وزير الصحة الجراح سليمان أبو صالح ولكنا اتفقنا أن ابن سينا بالرغم أنها جزء من وزارة الصحة سيكون لها وضع كيان منفصل الذي يعني أن ميزانيتها تناقش بشكل مستقل مع وزارة المالية في يوم مخصص لذلك. واتفقنا أن الأموال التي تكسب تكون تحت سيطرة المستشفى وتضع في بنك خاص تحت أسم المستشفى واخترت أشخاص معينين لمناصب مهمة.
عندما قربت المفاوضات إلى نهايتها أرادت وزارة الصحة توسيع المشروع لشمل جراحة المسالك البولية وطب الأنف والأذن والحنجرة. كان ذلك حكيما لأن اليابانيون قبلوا الإضافة من غير مناقشة وأطلقوا اسم مستشفى الخرطوم التعليمي على المشروع. اقتربت المستشفى إلى الإكمال وسألوني اليابانيون أن أعطيها اسم نهائي. أولا فكرت في اسم جمعية سودانية ولكن لم أجد ما يناسب ثم دخل اسم ابن سينا في ذهني والذي ربما ضاعف جدارة الاسم أن منظمة اليونيسيف احتفلت في ذلك الوقت بالذكرى الألف للأمير الأطباء. ظننت أن بعد كل هذه السنين ابن سينا اسم مناسب.
كانت المستشفى مجهزة إلى حد كبير بالمعدات والموظفين ولكني أخرت حفل الافتتاح حتى مرت أسابيع قليلة من العمل. قمنا بالحفل يوم 20 ابريل 1986 وافتتح بواسطة سوار الذهب.. إنتهى .
وأصبح مستشفى ابن سينا الرقم الأول في الخدمة الطبية في مجال الجهاز الهضمي، باطني وجراحي. وأكثر ما أفاد زاكي الدين سلوكه المتحضر، وثقافته الواسعة، وإتقانه للغة الإنجليزية (Black Englishman) واتصاله الدائم بالمملكة المتحدة التي كان يحبها ويلتزم بزيارتها وأسرته سنوياً. وقد احتفظ بصداقة غريبة مع الجراحين البريطانيين الذين عملوا في السودان، كجوليان تيلور والذين عاصرهم أثناء تدريبه بالمستشفيات البريطانية.
ناظر عموم الجراحة
د. زاكي اسس جمعية اختصاصيي الجهاز الهضمي السودانية واستقطب لها كل الاختصاصيين في مجالات أمراض الجهاز الهضمي من باطنيين وجراحين واستشاريي علم الأمراض والأشعة والعلوم الأساسية. وقد تأثرت شخصية الرجل بخلفية عائلته آل زاكي الدين، شيوخ قبيلة البديرية في شمال كردفان، فكان جده ثم والده ناظر عموم قبيلة البديرية؛ هيناً لطيفاً يسع الجميع، يُعمل الفكر ويحتضن الفرقاء في تسامح غريبٍ، ويحب الخير للزملاء في غير تنافس مَرَضي أو حسدٍ .
وهذا ما جاء على لسان الجراح التقي (ميرغني سنهوري في رثائه في المقابر، وميرغني سنهوري تخرج في كلية الطب أربعة أعوام بعد أن تخرج زاكي الدين)، قال: (كان هو أول مهنئ لي والفرحة قد غمرته بعد أن علم أني نجحت في الزمالة الملكية في علم الجراحة بأدنبره، ودعا مجموعة الأطباء السودانيين في حفل تكريم لي. وكان هذا دأبه مع من يتميز من أقرانه وكأنه يحس بأنه ناظر عموم علم الجراحة).
وقد حدا به هذا الشعور لجمع قبيلة الأطباء في مؤسسات وجمعيات، فقد أسس جمعية الجراحين التي بدأها بنادي الجراحة وكان ذلك عام 1962 ثم بنفس روح الابتكار أسس جمعية اختصاصيي الجهاز الهضمي. وكانت الفيرال رائعة والإخراج مبتكرا، إذ خرج بها من قاعات الجامعات إلى الفنادق الكبيرة والاجتماع مساءً على عشاء العمل، مما حدا بعدد كبير من الأختصاصيين الاستجابة للندوات والمحاضرات العلمية.
كانت الجمعية تجتمع صباح كل جمعة في منزله العامر بشارع الجمهورية في ضيافة أسرته ويدفع فاتورة فندق الهلتون، حيث يلتئم جمع الأطباء في الاجتماع الدوري الشهري من ماله الخاص،
، وظل كذلك لفترة طويلة والكرم تأثير قبلي على شخصية زاكي الدين، ظل زاكي الدين رئيساً لهذه الجمعية لسنين عددا، وترك رئاستها ليكون عضواً بعد أن أصبحت الجمعية الأولى بين رصيفاتها، وما زالت كذلك بجهدٍ مَنْ دربهم زاكي الدين.
محنة المرض والوفاة
أقعده المرض لأكثر من عام بعد أن كان نشطاً أكاديمياً واجتماعياً، وامتُحن بمرض منعه من البلع، ففقد نعمة الشرب والأكل، وأكثر ما كان يضايقه أن ذهنه متوقد وجسمه واهن، وصور الأمر وكأنه في سجن، وكان يقول (عندي ذخيرة من الإيمان ولولاه لانهارت قواي، ولكن الحمد لله).
لقد كان زاكي الدين ودوداً وفياً محباً لأسرته، وكان يحب أن يرى الدنيا بمنظار الجمال، ويسره أن يرى الحياة تنمو وتزدهر، ويسره أكثر أنه ساهم في هذا النمو والازدهار.
رحل عنا د. زاكي الدين صباح الجمعة 12 ديسمبر 2014م، بعد أن صارع المرض الغريب لأكثر من عام في صبرٍ وإيمانٍ عميقين.
رحم الله د. زكي الدين فسيرته عامرة ومعروفة ليس على النطاق المحلي وانما العالمي عرفه شعب السودان كجراح بارع ، وعرفه الأطباء كما عرفته مهنة الطب بأنه مؤسس لجراحة الجهاز الهضمي، وأنه صاحب المبادرات في تطوير التخصصات الجراحية وإرساء قواعدها، ولعل أبرز ما قدمه للأمة السودانية تأسيس قسم للجهاز الهضمي في مستشفى الخرطوم بحري، الذي انتقل به إلى مستشفى الخرطوم قبل أن يؤسس مستشفى ابن سينا.
كان كبيراً في تعامله مع الأطباء، وتمتع باحترامهم وتقديرهم لما لمسوه منه من ترفعٍ عن الصغائر وسلوكٍ مهني راقٍ وأخلاقي عالٍ.